أفضت احتجاجات عنيفة قادها شباب “جيل زد” ضد الفساد وحظر وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغييرات سياسية غير مسبوقة في نيبال، انتهت باستقالة رئيس الوزراء كيه.بي شارما أولي، وتكليف القاضية السابقة سوشيلا كاركي بتشكيل حكومة مؤقتة تدير المرحلة الانتقالية إلى حين إجراء انتخابات مبكّرة حُدد موعدها في 5 مارس 2026.
وقاد الاحتجاجات جيل Z » أو Generation Z وهو مصطلح يُستخدم في علم الاجتماع والدراسات الديموغرافية للإشارة إلى الفئة العمرية التي وُلدت بين منتصف التسعينيات (1995–1997) وبداية العقد الثاني من الألفية الثالثة (2010–2012).
وهو جيل رقمي بامتياز، مرتبط بالإنترنت، والهواتف الذكية، ومنصات التواصل الاجتماعي
وببدأت الشرارة مع قرار حكومي في 4 سبتمبر بحظر 26 منصة تواصل اجتماعي بينها فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب و«إكس»، بدعوى إلزام الشركات الأجنبية بالتقيّد بقوانين محلية وتعيين ممثلين داخل البلاد. القرار اعتبره شباب نيبال اعتداءً على حرية التعبير، فتدفقت الحشود إلى الشوارع منذ 8 سبتمبر في أكبر موجة اضطرابات سياسية منذ عقود.
وفق أرقام وزارة الصحة، ارتفع عدد ضحايا الاضطرابات إلى ما لا يقل عن 72 قتيلاً وأكثر من 2113 مصاباً، فيما طاولت أعمال الحرق والتخريب مباني حكومية ومرافق أمنية ومقار شركات ومنازل سياسيين، بينها مبنى البرلمان والمحكمة العليا. ومع تصاعد العنف، تدخل الجيش للسيطرة على الشوارع وفرض النظام.
مع الحجب الرقمي والقيود على الإنترنت، لجأ المحتجون إلى تطبيق BitChat المعتمد على البلوتوث للتواصل بدون شبكة، فيما تحولت منصة Discord إلى ما يشبه “برلماناً افتراضياً” ناقش فيه عشرات الآلاف مسار المرحلة الانتقالية. داخل هذا الفضاء الرقمي، برزت سوشيلا كاركي—أول امرأة ترأست المحكمة العليا (2016–2017) ومعروفة بمواقف مناهضة للفساد—مرشحةً توافقية. وفي 12 سبتمبر جرى إعلان تكليفها رسمياً برئاسة الحكومة المؤقتة.
وسجّل BitChat في ذروة الاحتجاجات 48 ألف تنزيل في يوم واحد داخل نيبال (نحو 38% من إجمالي تنزيلاته العالمية وقتها).
وقفز الإقبال على خدمات VPN بنسبة قُدّرت بـ 6000% خلال أيام، ما عكس تمسّك المستخدمين بفضاء رقمي مفتوح.
واستقطب خادم Discord الذي أنشأته مبادرة مدنية استقطب نحو 145 ألف مستخدم خلال أربعة أيام.
وبرّرت الحكومة الحظر بالحاجة إلى “تنظيم الفضاء الرقمي” وإخضاع المنصات الأجنبية للقانون المحلي، غير أن النتيجة جاءت عكسية، إذ أجّج القرار الغضب الشعبي. ومع انفلات الوضع الأمني، استقال رئيس الوزراء وانتقل الملف إلى المؤسسة الرئاسية التي حلّت البرلمان وحددت موعد الانتخابات القادمة. ودعت رئيسة الوزراء المؤقتة كاركي، في أول خطاب لها، إلى “الهدوء والتعاون من أجل إعادة البناء”، مؤكدة أنها لن تبقى أكثر من ستة أشهر وأن حكومتها “انتقالية” هدفها تهيئة الأرضية للاستحقاق المقبل.
ورسّخت الأزمة حضور أدوات التنظيم الرقمي كفاعل سياسي مباشر، وأظهرت أن التضييق على المنصات قد يرتدّ سريعاً على الاستقرار.
وعمّقت الأحداث هشاشة المشهد الاقتصادي في بلد يعاني بطالة شبابية تقارب 20% ونزيف هجرة يفوق ألفي شاب يومياً بحثاً عن العمل في الخارج.
ورحّبت الهند بالتطورات وأبدت أملها في تعزيز الاستقرار. كما حذّرت منظمات حقوق رقمية من تشريعات تمنح السلطات صلاحيات واسعة لحجب المحتوى بدواعي “معلومات مضللة” أو “تهديد السلم الاجتماعي”.
وتواجه الحكومة المؤقتة اختبارين: تهدئة الشارع عبر إجراءات عاجلة لمكافحة الفساد وفتح قنوات مؤسسية مع ممثلي الشباب، وإدارة عودة الحياة الرقمية بضوابط توازن بين حرية التعبير ومتطلبات الأمن. نجاح هذه الخطوات حتى موعد انتخابات 5 مارس 2026 سيحدد إن كانت تجربة “البرلمان الرقمي” ستبقى حالة استثنائية أم تتحول إلى نموذج دائم للديمقراطية التشاركية في نيبال.