تعمل الحكومة الانتقالية في سوريا على تفكيك منظومة إنتاج الكبتاغون، الذي يعد منبهاً مُصنَّعاً غير مشروع يحتوي عادة على مادة الأمفيتامين. ومع ذلك، يستمر إنتاج هذا المخدر والاتجار به، خاصة في مناطق من سوريا لم تخضع بعد لسيطرة الإدارة الجديدة.
في يونيو 2025، وعبر التلفزيون الحكومي، أعلن وزير الداخلية السوري الجديد، أنس خطاب، أن حكومته أطلقت حملة لضبط مخدر الكبتاغون.
وقال خطاب: « يمكننا القول إنه لم يعد هناك أي مصنع ينتج الكبتاغون في سوريا بعد الآن ».
لكن بعد نحو ثلاثة أسابيع من تصريح خطّاب، ضبطت السلطات السورية ثلاثة ملايين قرص كبتاغون، في منطقة النبك جنوب دمشق؛ ممّا أثار تساؤلات بشأن مستقبل صناعة ازدهرت تحت رعاية نظام بشّار الأسد، وفي ظلّ الفساد الذي استشرى في عهده.
قبل سقوط الأسد في دجنبر 2024، فرضت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة عقوبات على كبار مسؤولي النظام السوري، لتربحهم من إنتاج المخدرات والاتجار بها، وكذلك على الميليشيات المدعومة من إيران، المرتبطة بحزب الله، « المسؤولة عن تهريب هذا المخدر عبر الشرق الأوسط ». في المقابل، نفى نظام الأسد هذه الاتهامات.
الخبراء الدوليون ووكالات مراقبة المخدرات يقولون إنه رغم تقويض الإنتاج واسع النطاق، الذي كانت ترعاه الدولة في سوريا، ما زالت هناك مصانع صغيرة متنقلة تستمر في العمل حتى الآن. في الوقت نفسه، يقوم المهربون أيضاً بتوزيع الإنتاج ومخزونات المخدر الموجود في سوريا في دول مجاورة ذات أسواق كبيرة منذ زمن طويل.
يقول نيكولاس كروهلي، مستشار مقيم في سويسرا يعمل مع مؤسسات عسكرية واستخباراتية وأجهزة إنفاذ القانون: « ما زالت هناك في سوريا مجموعات صغيرة تتنقل من مكان إلى آخر، تُنشئ معامل متنقلة (ورشاً) وتنتج المواد، خاصة في الجنوب، حيث لا تمتد سلطة الحكومة المركزية بقوة »، مضيفاً أن هذه « الورش » لطالما واجهت صعوبات في تلبية الطلب على المخدرات.
يحظى الكبتاغون بشعبية خاصة في الشرق الأوسط، لا سيّما في دول الخليج؛ مثل المملكة العربية السعودية. عام 2021، قدّر الخبراء القيمة السوقية السنوية المحتملة لهذه التجارة بما لا يقل عن 5.7 مليار دولار. يُعدّ انتشار هذا المخدر تحدياً أمنياً غير مسبوق لسلطات إنفاذ القانون في المنطقة؛ إذ يشكل الفقر وانعدام الأمن الاجتماعي والحرب أرضية خصبة لبيع المخدرات، كما توفر هذه الظروف فرصاً للمهربين.
تقول كارولين روز، التي تقود مشروع تجارة الكبتاغون في معهد « نيو لاينز » بواشنطن، لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP، إنه « في أعقاب سقوط النظام مباشرة، اعتمدت استراتيجية الحكومة المؤقتة لمكافحة المخدرات، على الاعتراض والكشف، عبر مصادرة أكبر منشآت الكبتاغون المرتبطة بشكل وثيق وواضح بالنظام (التي كان يديرها أشخاص فروا وتركوا المنشآت بلا إشراف)، ودعوة الصحفيين لتغطية رفيعة المستوى لمثل هذه الضبطيات ».
وتضيف روز أن الإدارة الجديدة تواجه الآن مهمة أصعب؛ تتمثل في تفكيك بقايا هذه التجارة في نطاقها الأصغر والمتوسط الحجم. وأوضحت أن هذه البقايا كانت إما مرتبطة مباشرة بالنظام وإما تمثل قنوات اتصال معه، مضيفة أن الإدارة الجديدة « تصطدم بمشهد غير مشروع معقد »، في ظل قدرتها المحدودة على فرض السيطرة « وكسب تعاون المجتمعات على الساحل السوري والمناطق الحدودية؛ وهي مراكز تقليدية لتهريب الكبتاغون »، مشيرة إلى أن المواني والحدود، التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، تحولت إلى بؤر للتجارة، مستفيدة من ضعف الإجراءات الأمنية.
وقد ضبط المسؤولون السوريون 16 شحنة مخدرات متجهة إلى دول مجاورة، وفككوا أكثر من عشرة مصانع كبيرة وورشاً صغيرة منذ سقوط النظام، وفقاً لأنور عبد الحي، المتحدث باسم المديرية العامة لمكافحة المخدرات؛ وهي إحدى إدارات وزارة الداخلية السورية.
يقول عبد الحي لـ »أريج » إن غالبية المصانع كانت تقع في مناطق تابعة للفرقة الرابعة؛ إحدى أقوى الوحدات العسكرية التابعة لنظام الأسد، والتي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات عام 2020؛ لقيامها بعمليات غير مشروعة لتوليد الإيرادات، بما في ذلك إنتاج الكبتاغون والاتجار به. وأضاف: « ضبطنا أيضاً أكثر من مصنع على الحدود السورية اللبنانية، وفي المنطقة الساحلية ».
في 12 أبريل، أعلنت الحكومة السورية عن مداهمة مستودع في اللاذقية، الميناء الرئيسي للبلاد على البحر المتوسط، حيث ضبطت خمسة آلاف قضيب حديدي أُخفيت بداخله نحو أربعة ملايين حبة كبتاغون مُعدَّة للتصدير، ووصفت العملية بأنها أكبر ضبطية للكبتاغون منذ الإطاحة بالأسد. وفي الأسابيع التالية، أعلنت السلطات عن مداهمة مصنع لإنتاج الكبتاغون في حمص قرب الحدود السورية اللبنانية، إضافة إلى مصادرة أربعة ملايين قرص آخر في منطقة اللاذقية.
انتشار الكبتاغون في المنطقة
بحسب معهد « نيو لاينز »، لم يتم التخلص بعد من الجانب التقني المتعلق بإنتاج المخدر، أو إعادة نشر المصانع في أماكن أخرى، على الرغم من ضبط كميات كبيرة من الحبوب في سوريا.
كما يمكن تعزيز البنية التحتية للإنتاج الموجودة بالفعل في البلدان المجاورة؛ لتتولى تلبية الطلب المتزايد على هذا المخدر.
وفقاً لآخر تقرير عن المخدرات، صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، « تشير عدة عمليات ضبط كبيرة أُبلغ عنها في أواخر عام 2024، وأوائل عام 2025 في دول مجاورة مثل العراق والأردن، وأيضاً المملكة العربية السعودية، إلى استمرار استخدام طرق التهريب ذاتها المًتبَعة من قبل ».
يقول الدكتور موسى داوود الطريفي، رئيس الجمعية الأردنية لمكافحة المخدرات، لـ OCCRP، إنه « رغم تراجع الكميات (بعد انهيار النظام في سوريا)، فإن بعض شحنات الكبتاغون ما زالت تُهرب، ما يشير إلى أن الإنتاج والتخزين قد يستمران بشكل أو بآخر ».
ويضيف أن « جزءاً من تراجع استخدام الكبتاغون قد يُفسر باتجاه بعض المتعاطين نحو مواد أخرى؛ مثل الميثامفيتامين، والقنّبيات الصناعية (المعروفة بـ »الجوكر »)، أو العقاقير الطبية التي يُساء استخدامها. وهذه البدائل باتت تظهر بشكل متزايد في بعض المجتمعات، خصوصاً بسبب سهولة الحصول عليها أو إنتاجها محلياً ».
في ضواحي بيروت، قال ميكانيكي (فضل إخفاء هويته) يبلغ من العمر 28 عاماً، أدمن الكبتاغون بعد أن بدأ بتعاطيه ليتمكن من السهر أثناء العمل، إن « الحصول على حبوب الكبتاغون أصبح أصعب قليلاً اليوم، إضافة إلى ارتفاع سعرها، لكنها ما زالت متوفرة على نطاق واسع ».
ويضيف: « في السابق، كان يمكنك شراء حبة مقابل دولارين أو ثلاثة دولارات، أما الآن، يبيع بعض الناس الحبة الواحدة مقابل خمسة دولارات أو حتى سبعة دولارات، حسب النوع. وإذا كنت تريد شيئاً مضموناً؛ فسيتعين عليك دفع المزيد. مازال الكبتاغون متاحاً ووجوده ليس نادراً. عليك فقط أن تميز بين البائع الحقيقي والمحتال ».
يتساءل الخبراء الآن عمّا إذا كان الإنتاج الضخم للمخدر سيعود للانتعاش برعاية جهات جديدة. يقول نيكولاس كروهلي، مستشار مقيم في سويسرا: « لا نعلم بعد من يملك ما يكفي من القوة والإرادة والقدرة، إذا قرر العودة إلى تلك الصناعة ».
تقول أنجيلا مي، رئيسة قسم البحوث والتحليل في مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة: « هناك الكثير من الضبابية حول هذا الأمر. نرى شحنات كبيرة تعبر من سوريا عبر دول مثل الأردن، ومن المرجح أن هناك كميات مخزنة من هذه المادة ما تزال تهرب إلى الخارج، لكننا نتابع وجهة انتقال مواقع الإنتاج المحتملة ».
تدق روز وزملاؤها، خلال العام الماضي (2024)، ناقوس الخطر بشأن توسع إنتاج الكبتاغون وتنوعه، عبر « الانتقال إلى مواقع أقرب إلى أسواق الاستهلاك أو نقاط العبور الحيوية في أوروبا؛ بهدف تعزيز القدرة على مواجهة عمليات الاعتراض أو تحسين فرص العائدات ». وتشير -مع ذلك- إلى أن انتشار إنتاج الكبتاغون في دول أخرى ليس ظاهرة جديدة.
وأخبرت OCCRP أنه جرى العام الماضي رصد مصانع لإنتاج الكبتاغون في لبنان ومصر وتركيا والكويت وحتى ألمانيا، مضيفة أن الإنتاج في العراق قد توسّع ليشمل شمالي البلاد.
وأفاد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عن تفكيك مصانع للميثامفيتامين والكبتاغون في محافظة السليمانية الكردية العراقية عام 2024، إضافة إلى إحباط محاولات لإنشاء منشآت لإنتاج الكبتاغون في المحافظات الجنوبية للعراق، قبل عام من ذلك.
في ماي 2025، داهمت السلطات اللبنانية مصنعاً سرياً للكبتاغون في منطقة الهرمل، بالقرب من الحدود السورية، بعد ضبط شاحنة محملة بمعدات لتصنيع الكبتاغون دخلت البلاد في أبريل 2025.
هذا الصيف (2025)، أعلنت السلطات اليمنية التابعة للحكومة المعترف بها دولياً عن ضبط أكثر من مليون ونصف المليون حبة كبتاغون من صنع الحوثيين في صنعاء، كانت متجهة إلى السعودية، حيث يتركز السوق الاستهلاكي الرئيسي لهذا المخدر، وفقاً لوكالة الاتحاد الأوروبي لمكافحة المخدرات.
واتهم اللواء مطهّر الشعيبي، مدير شرطة مدينة عدن الساحلية في اليمن، جماعة الحوثيين بإنشاء مصنع كبتاغون في منطقة المحويت شمالي اليمن، « مشابه للمصنع الذي كان في سوريا »، مضيفاً أن اليمن يُستخدم الآن منطقة عبور لشحنات الكبتاغون المتجهة إلى السعودية.
أسهم مصعب الياسين في إعداد هذا التقرير.
أنجز هذا التقرير بدعم من أريج.