تقرير يكشف عن وجود فجوة كبيرة بين مهارات خريجي التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل

رصد المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، في تقرير حديث، مسار سوق الشغل بالمغرب انطلاقا من فترة التكوين التعليمي والمهني، ووصولا إلى مرحلة التقاعد، مبرزا أنه « مسار معقد ومتشابك »، تعيق تطوره جملة من الإشكاليات البنيوية.

وكشف التقرير، الذي حمل عنوان « سوق الشغل المغربي بين هشاشة الحاضر وفرص الغد »، وجود فجوة كبيرة بين مهارات خريجي مؤسسات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، حيث رصد أن 35% فقط من الخرجين يشتغلون في نفس مجال دراستهم، بينما يعمل 40% في مجالات لا علاقة لها بتكوينهم، في وقت يظل فيه 25% في حالة بطالة.

كما أوضح أن النظام التعليمي المغربي يعاني من ضعف في تأهيل الطلبة بالمهارات العملية، كالقيادة والتواصل وحل المشكلات، وسجل نقصا واضحا في المهارات الرقمية الضرورية في الاقتصاد العصري لدى معظم المقبلين على سوق الشغل.

ومن جهة ثانية، أشار المركز إلى أن معدلات النمو الاقتصادي التي يحققها المغرب لا تنعكس بشكل كاف على مناصب العمل المتوفرة، خاصة في القطاعات الحديثة كالصناعة والخدمات، مما يجعل الاقتصاد الوطني مستمرا في الاعتماد بشكل كبير على قطاعات تقليدية، مثل الفلاحة والبناء، رغم حساسيتها الكبيرة للتغيرات المناخية، وانخفاض القيمة المضافة التي تنتجها.

ورصد المركز ظروف العمل في القطاع غير المهيكل، الذي يشغل نحو 36% من اليد العاملة، ويساهم بما يقارب 30% من الناتج المحلي الإجمالي، مبرزا أن معظم العاملين فيه يفتقرون للتغطية الصحية والتقاعد، ويجدون أنفسهم أمام فرص ترقية وتطور مهني محدودة جدا، مما يزيد من صعوبة إدماجهم في الاقتصاد المنظم.

وسجل المصدر ذاته أن سوق الشغل المغربي بات يشهد ممارسات احتيالية تؤثر بشكل سلبي على ثقة الشباب في آليات التشغيل الرسمية، مثل انتشار الإعلانات الوهمية للتوظيف التي تستهدف العاطلين عن العمل، مشيرا إلى أن نسبة الإعلانات المزيفة التي رصدها تقدر بـ 23 إعلانا من أصل 50 تم التحقق منها.

كما تضمن التقرير بيانات تبرز عمق التفاوتات الجغرافية والاجتماعية في بيئة العمل المغربية، حيث أفاد أن نسبة مشاركة النساء في مختلف المهن لا تتعدى 21.5% مقارنة بـ 70% للرجال، مع وجود فجوات في الأجور بين الجنسين، وتركز معظم فرص العمل في محور الدار البيضاء-الرباط، في ظل استمرار عزلة المناطق القروية.

وختم التقرير تحليله لواقع الشغل في المغرب بالتطرق لمرحلة التقاعد، مبرزا أن نظام المعاشات الحالي، رغم الإصلاحات المهمة التي شهدها خلال السنوات الأخيرة، لا زال يقصي فئات واسعة من العمال خاصة في القطاع غير المهيكل، مما يجعل شريحة كبيرة منهم عرضة لهشاشة مالية في مرحلة ما بعد العمل.

ولتجاوز هذه التحديات، أوصى المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة باعتماد مقاربة مندمجة تقوم على التنسيق بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ومدعومة بإرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات جذرية متواصلة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *