ما بعد جيل Z... خمس خطوات عاجلة لتطويق الفوضى

01 أكتوبر 2025 - 21:19

كعادة رواد مواقع التواصل وأنصاف المثقفين، أصبح العنوان الرئيس لكل تدوينة هو جيل Z، وتناسلت المقالات والتدوينات التي تتحدث عن خصائص جيل Z وعن رموز الأجيال الأخرى.. وأمام الأحداث العنيفة – مع الأسف- التي شهدتها عدة مظاهرات يوم أمس، أصبح الخطاب الجديد الآن ينقسم بين تأكيد مشروعية الاحتجاج وبين دعوة جيل Z إلى تجنب العنف والعودة إلى المنازل.. لكن هل تعتقدون أن الذين نزلوا أمس هم حصرا تلك المجموعات المنظمة من شباب Z ؟ أم أن الاحتجاج هو كرة ثلج قد تكبر ويصعب التحكم فيها…
مثل جميع المغاربة، تألمت بشدة لمظاهر العنف التي حدثت أمس، وأدعو الله أن تتوقف الأمور عند هذا الحد وأن يقينا الله شر فتنة ستكلف بلدنا كثيرا… لكنني لا أعتقد أن دعوة مجموعات جيل Z إلى إيقاف العنف أو إيقاف التظاهر قد تكون كافية… لأنه على الأرجح، فإن مظاهرات أمس لم تضم فقط المجموعات الأولى من المحتجين التي عرفناها بجيل Z ، بل في الغالب انضم إليها العديد من الشباب الغاضب الذي لم يبدأ معها لا التخطيط ولا الحوار… فمشاهد الاعتقالات أثناء مظاهرات السبت والأحد، انتشرت سريعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وجلبت موجة كبيرة من التعاطف، من عموم الناس ومن الأقران خصوصا، وهؤلاء يعيشون مرحلة عمرية لها خصوصياتها النفسية، وعلى رأسها الجرأة والعناد… وليس جميع الشباب مهذبا ومسالما مثل النماذج التي ظهرت في المظاهرات الأولى.
لذا في تقديري الشخصي، ينبغي إيقاف المظاهرات حاليا لأنها اختلطت، وفيها مشاركون جدد ومراهقون لا يحركهم سوى الغضب، وستصبح الاحتجاجات عنيفة أكثر، ويصعب لاحقا احتواؤها… ولن يتعلق الأمر حينها بمطالب مشروعة، بل بعنف وفوضى ينبغي إيقافهما واحتواؤها…
كما لا ينفع أن ينحصر تفكيرنا فقط في  » جيل Z » بل للأمر أبعاد أخرى يجدر التفكير فيها:
1- بعد أن قامت الدولة بإضعاف الهيئات الاجتماعية المسؤولة عادة عن التأطير و »إدارة الاحتجاج » المنظم والعقلاني، وختمت بقانون « منع الإضراب » غامرت في المقابل بمواجهة كل أشكال الاحتجاجات الشعبية/ الشعبوية التي ستكون في الغالب غير منظمة وعنيفة وصعبة الإدارة لخلوها من منطق الاحتجاج: المنظمون والمطالب/ المصالح والتفاوض، ولكنها قد تنبع في الغالب من مواطنين يحركهم اليأس ومعظمهم غير متعلمين أو يفتقرون إلى ثقافة الاحتجاج بأشكاله المشروعة… وقد بدأت بوادر ذلك من قبل على شكل مسيرة على الأقدام من قرويين بسطاء، وهي الآن احتجاجات من شباب يافع، ومستقبلا لا نعلم كيف ستكون:
فإضعاف الأحزاب والتغاضي عن خروقاتها وعن الأعيان الذين يترأسون اللوائح الانتخابية والبرلمانين الذين أصبحوا يشكلون لوبيات مصالح وامتيازات بدل أدوارهم الأساسية، والتواطؤ لعزلها عن المجتمع والقاعدة الشعبية؛ وإضعاف المجتمع المدني الذي انقرضت تقريبا جمعياته الثقافية والاجتماعية وتناسلت جمعيات « التنمية البشرية » من البسطاء الباحثين عن تمويل مشاريعهم المدرة للدخل، فانحصر دورهم في مدح السلطة والتقرب منها لضمان الحصول على الدعم بدل تأطير المجتمع وتعزيز الحكامة المحلية؛
2- إضعاف التعليم العمومي وغياب تأطير الشباب وتشجيع أنماط من العيش والسلوك وقدوات بعينها عبر وسائل الإعلام العمومي، هو استثمار في السطحية والعنف والتمرد: راجعوا بعضا من أغاني نجوم برنامج الراب « جيم شو » الذي يبث على القناة الثانية، ستصابون بالذهول، نقد قوي جدا وبذيء لا يستثني أيا من مستويات السلطة ومظاهرها، لو كتبت ربعه بعبارات منمقة وحذرة لأصبح من المستحيل استضافتي في أي قناة عمومية وربما تعرضت للمتابعة القانونية! فما هي الرسالة الموجهة إلى الشباب حينما يستدعى مغني راب يهاجم الدولة بشكل بذيء إلى برنامج في قناة عمومية؟ ألا يوحي ذلك بأنه أقوى من الدولة؟ ألا يتعلق الأمر بإضفاء الشرعية وبتشجيع سخي!
استمعوا إلى أغاني الراب التي تنتشر بين الشباب، وخزان التمرد والسخط الشعبوي الذي تحمله… أين كنتم حينما تركتم وعي الشباب عرضة لمغنين فاشلين دراسيا ومؤثرين تافهين أصبحوا يرسمون السياسات التواصلية للوزارات وأعلم أنكم تعولون عليهم أيضا لإدارة حملاتكم التواصلية لكأس العالم… ابحثوا عن بائعي المخدرات في محيط المؤسسات التعليمية، وابحثوا عن السكاكين في محافظ تلاميذ الإعداديات، وابحثوا عن أغاني اليأس والإحباط وسب الوطن ومديح الهجرة وقوارب الموت… فهي التي تشكل مواقف ووعي أغلب شبابنا اليوم، وهي الوقود الذي يغذي استعداده للعنف!
3- لتتوقف الحكومات عن امتهان الكذب وصناعة اليأس، من خلال تكرار الإخفاقات والبراعة في عرض الأرقام الكاذبة والإنجازات الوهمية… سيصفق لكم فقط أعضاء حزبكم، وحتى هم يعرفون أنه كلام كاذب، وهم يصفقون في إطار نُصرة الحزب ومواجهة المنافسين… جرب المواطنون جميع الأحزاب واستمعوا إلى جميع البرامج واختبروا جميع السياسيين… وأصبحوا يعيشون يأسا حزينا وعزوفا بئيسا… لنجرب هذه المرة سن تشريعات تمنع أن يتولى شخص الأمانة العامة لأكثر من ولايتين في حياته، وأن يُفرض على كل مرشح أن يكون حاصلا على الإجازة على الأقل وألا يتجاوز عمره خمسين عاما… لنجرب من باب التغيير!
4- ليتواضع المسؤولون قليلا، ويتعلموا قليلا من التواصل مع المواطنين لتبرير قراراتهم وسياساتهم وعرض إنجازاتهم… هناك خطاب شعبوي خطير جدا على المجتمع والدولة والوطن، وهو ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، قليله صحيح ومعظمه مغالطات منطقية وأكاذيب وخلط للأدوار والمسؤوليات… هذا خطاب قوي له جمهوره، ولن تصمد أمامه الإشهارات المدفوعة عن الوطنية ولا الخرجات الإعلامية الحزبية ولا الأغاني الوطنية الجديدة عديمة الإبداع مثل أناشيد الروضة… هناك إنجازات حقيقية تتحقق على أرض الواقع، وهناك جهود تبذل، لكنها لا تسوق بلغة المواطنين… هناك فجوة تواصل كبيرة وتتسع كل يوم، يغذيها استعلاء المسؤولين أو احتقارهم لأهمية التواصل، كما يغذيها لجوؤهم إلى شركات إعلامية تعودت تصميم إشهارات بيع السلع وتعتقد أن الاتصال المؤسساتي هو أيضا بيع أحلام ووعود مغلفة إلى مواطنين سذج.
5- هناك بعض التحليلات التي ترجح أن تكون جهات ما قد غذت وشجعت هذه الحركات الاحتجاجية لأهداف تضر بمصلحة بلدنا، وهذا أمر وارد، وهو ممكن جدا في المجال الرقمي والمتخصصون يعرفون ذلك، لكن هذا لا ينتقص من وطنية وصدق الشباب الذين نزلوا في المظاهرات الأولى وتحدثوا بروح وطنية وبأدب بالغ. لكن في المقابل، ما كان أي تحريض مشبوه لينجح مع الأسف لولا وجود شروط نجاحه، وهي التي أشرت إليها أعلاه.
أمام تسارع الأحداث، وأمام بوادر العنف التي حدثت، أقترح على المسؤولين اتخاذ خمس خطوات عاجلة بالتزامن في وقت واحد، لاحتواء الأزمة في أسرع وقت، وهي:
أولا- اتخاذ إجراءات ملموسة تطفئ غضب المحتجين، والخيارات موجودة، تتراوح من محاسبة أو عزل المسؤولين المرتبطين بالاحتجاجات (التعليم والصحة) أو إجراء تعديل حكومي، أو غيرها من الإجراءات… ومصلحة الوطن أهم من الأفراد؛
ثانيا- إطلاق حوار وطني رسمي يجمع مسؤولين حكوميين، ووسطاء اجتماعيين ممن يقبلهم الشباب، وممثلين عن الشباب الذي بدأ الاحتجاجات أول مرة، للارتقاء بالاحتجاج إلى شكل مشروع وراق من الحوار، وإعطاء الشباب مشروعية التعبير والاختلاف، وإرسال إشارات مطمئنة بأن رسالتهم وصلت… ومن الضروري أن تنتج عن هذا الحوار أمور ملموسة وإجراءات واقعية حتى لا نعيد الاحتجاجات إلى بدايتها…
ثالثا- تشكيل خلية إعلام أزمات مشتركة ما بين الحكومة والإعلام العمومي، وتشتغل بالبروتوكول الدولي المعروف في مثل هذه الحالات، ومع الأسف لا تظهر لي مؤشرات تنبئ عن وجودها، أو قد تكون موجودة ويطغى عليها الهاجس الأمني بدل الاشتغال الإعلامي باحترافية؛
رابعا – إطلاق وساطة رقمية، من خلال الاستعانة بمؤثرين وصناع محتوى ذوي مصداقية عند الشباب المشاركين في الحملات، ويتكلمون لغتهم، ولهم مستوى من الوعي يؤهلهم للقيام بذلك؛
خامسا – قيادة حملة إعلامية (احترافية وليس بالشكل التقليدي) وذلك بالاستعانة بقادة الرأي من الشخصيات المحبوبة والتي تحظى باحترام المغاربة، مثل بعض الممثلين والرياضيين، حيث تتوجه هذه الحملة الإعلامية إلى الآباء والأمهات، وتشرح لهم أبعاد الوضع، وتساعدهم في تأطير أبنائهم ومراقبتهم ومنعهم من العنف والفوضى، وحثهم على إيقاف المظاهرات.
باختصار، ما يحدث الآن هو حصاد لما سبق، ونتيجة لإخفاقات إن لم يتم علاجها، فقد تنتج أشكالا مختلفة من الفوضى والعنف لا قدر الله…
كما أن صور الفوضى والمواجهات والاعتقالات تجوب العالم وتتصدر منابر دولية شهيرة، وتغذي دعاية سيئة ضد المغرب، بلد المونديال، فهل ستصمد صور ملعب مولاي عبد الله الرائع أمام صور اقتياد شباب مسالم نحو سيارات الشرطة؟ أي الصورتين أقدر على تشكيل الوعي الدولي تجاه المغرب؟
أدعو المتظاهرين إلى إيقاف مظاهراتهم وتجنب العنف كيفما كان شكله، وأدعو المسؤولين إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحكيمة تطفئ الغضب…
وحفظ الله الوطن!

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *